سليمان, مروة. (2022). نظرية الأنشطة الروتينية: نظرية جديدة لفهم الجرائم السيبرانية. المجلة المصرية للعلوم الاجتماعية والسلوکية, 6(6), 114-130. doi: 10.21608/ejsbs.2022.129409.1005
مروة سليمان. "نظرية الأنشطة الروتينية: نظرية جديدة لفهم الجرائم السيبرانية". المجلة المصرية للعلوم الاجتماعية والسلوکية, 6, 6, 2022, 114-130. doi: 10.21608/ejsbs.2022.129409.1005
سليمان, مروة. (2022). 'نظرية الأنشطة الروتينية: نظرية جديدة لفهم الجرائم السيبرانية', المجلة المصرية للعلوم الاجتماعية والسلوکية, 6(6), pp. 114-130. doi: 10.21608/ejsbs.2022.129409.1005
سليمان, مروة. نظرية الأنشطة الروتينية: نظرية جديدة لفهم الجرائم السيبرانية. المجلة المصرية للعلوم الاجتماعية والسلوکية, 2022; 6(6): 114-130. doi: 10.21608/ejsbs.2022.129409.1005
نظرية الأنشطة الروتينية: نظرية جديدة لفهم الجرائم السيبرانية
تهدف هذه الدراسة إلي التعرف علي نظرية الأنشطة الروتينية وعلاقتها بالنظريات الأخرى، ومن ثم تحاول الدراسة الکشف عن الأسس المنهجية والتطبيقات الإمبريقية لنظرية الأنشطة الروتينية؛ وذلک من خلال التعرف علي نشأة النظرية وسياقها، والمبادئ التي تقوم عليها، ومدي کفاءتها الإمبريقية. وتوصلت الدراسة إلي أن هناک ثلاثة عوامل تحدد الجريمة فعليًا وهي وجود مجرم محتمل وهدف مناسب وعدم وجود رقابة جيدة، وأن معظم الجرائم ناتجة عن ملاءمة الهدف، والتغلب عليها من قبل مجرم محتمل، کما أنه لا بد من توافر هذه العوامل الثلاثة من أجل أن تحدث الجريمة، وعدم وجود واحد من هـذه العوامـل هـو " کافي لمنع حدوث ناجح لإکمال الاتصال المباشر لحدوث الجريمة, وأن متغير المکان والوقت الذي تحدث فيه الجريمة لابد من معرفته من قبل الشرطة، وأن هذا التلاقي بين المکان والوقت يمکن أن يـؤدي إلـى زيـادة کبيـرة فـي معدلات الجريمة من دون أي تغيير في " الحالة الظرفية" التي تحفز المجرمين, کما أن المبـدأ الأساسـي هـو أن التغييـرات البنائية فـي النشـاط الروتينـي تـؤثر علـى التقـارب فـي العناصـر الثلاثة من الناحية النظرية، وبالتالي تؤثر على معدل الجريمة, وعناصـر النظريـة الثلاثـة الرئيسـة فـي العـالم الافتراضـي فـي الجريمـة الإلکترونيـة، حيـث أن الجـاني المتحفـز (قـد يکـون ) والمسـتهدف المناسـب (اسـتهداف الهويـة أو المـال)، ولکـن الحراسـة القـادرة کبرامج الحماية وبرامج المضادة للفيروسات.
تحاول هذه الدراسة أن تقدم نظرية في تفسير الجرائم السيبرانية المعاصرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وهي "نظرية الأنشطة الروتينية" (RAT (Routine Activity Theory؛ وهذه النظرية تعدُّ نظرية صغرى من نظرية فرصة الجريمة التي تركز على حالات الجرائم، والتي دعا إليها ميرتون كنظرية مجردة تحاول بناء نظام نظري كامل يغطى جميع جوانب الحياة الاجتماعية بوصفها نظرية متوسطة المدى، حيث رأى أنها تساعد علماء الاجتماع في قياس جوانب من الواقع الاجتماعي، كما يمكن دراستها كظاهرة اجتماعية منفصلة، بدلًا من محاولة تفسير العالم كله. لذا؛ اهتم علماء الاجتماع بتفسير الظواهر الاجتماعية من خلال النظريات الصغرى، ومن ثم تم تطويرها من قبل لورانس كوهين وماركوس فيلسون في أواخر السبعينيات، وذلك من خلال تفسيرهم لتغيرات معدل الجريمة في الولايات المتحدة بين عاميْ 1947 و 1974، وتم تطبيق النظرية على نطاق واسع وأصبحت واحدة من أكثر النظريات التي يتم الاستشهاد بها في علم الجريمة.
إن معظم الجرائم ناتجة عن ملاءمة الهدف، والتغلب عليها من قبل مجرم محتمل متحمس في حالة عدم وجود أي شخص لإيقافه، ولا يمكن لهذا النموذج أن يفسر بشكل منطقي أسباب الجرائم، وذلك لأن "العناصر" الثلاثة لا يمكن أن توجد إلا بعد نجاح وقوع جريمة مقصودة، ليسقبل ذلك كونها مجرد حقيقة بديهية، لذلك شجع علماء الجريمة الأكاديميين وممارسي الحد من الجريمة الاهتمام بالتركيز بشكل أكبر على: فهم أهمية الجاني المحتمل، والرقابة الجيدة، ومتغيرات الإدراك، واتخاذ القرار، بوصفها أمورًا افتراضية قابلة للقياس والاختبار، وتعدُّ من الأسباب المسهمة في ارتكاب الجرائم، لذلك نقدم من خلال هذه الدراسة عرض النظرية، مع تقديم قراءة تحليلية ونقدية من خلال التطبيق على الجرائم المعاصرة التي ألقت بتأثيراتها على علم الاجتماع الحديث، ووفقًا لذلك تبنت الدراسة إطارًا منهجيًّا يعتمد على المنهج التحليلي النقدي من خلال المحاور التالية:
المحور الأول- نشأة نظرية الأنشطة الروتينية وعلاقتها بالنظريات الأخرى:
يحتوي علم الإجرام على نظريات متعددة تفتح وجهات نظر مختلفة حول معرفة: لماذا وكيف تحدث الجرائم؟، ولكن نظرية الأنشطة الروتينية تختلف عن نظريات الجريمة الأخرى؛ لأنها تفسر وتقدم منظورًا جديدًا ومختلفًا للجريمة والمجرمين والضحايا، فهي تركز على دراسة الجرائم والأنشطة التي يرتكبها المجرمون والضحايا قبل ارتكاب الجريمة، والتي تؤدي في الواقع إلى حدوث الجريمة، حيث ظهرت هذه النظرية كمحاولة لإعطاء تفسير أكثر تفصيلًا لآلية الجرائم، ودراسة كيفية ارتكاب الجرائم. لذا؛ فهي تقدم تفسيرًا مختلفًا للجريمة لأنها لا تركز على أسباب الجريمة ولكن على الجريمة نفسها، بما في ذلك الأنشطة التي يتم القيام بها عند ارتكاب الجرائم.
وتختلف نظرية النشاط الروتيني عن نظريات علم الجرائم الأخرى التي تركز على أسباب الجريمة ودوافع المجرمين التي تقودهم إلى ارتكاب الجرائم. وبدلًا من ذلك، تركز هذه النظرية على عملية الجريمة نفسها، والخطوات المحددة التي يتخذها الجناة لارتكاب الجريمة، والأنشطة الروتينية التي تزيد أو تقلل من خطر الجريمة، ويكشف هذا المنهج عن جوهر الجرائم وكيف تُرتكب، كما تساعد في الكشف عن آليات الجرائم وفهمها بشكل أفضل، لذلك تنظر النظرية إلى الجريمة كعملية، وتحاول الكشف عن العناصر والأنشطة الرئيسية التي تنطوي عليها الجريمة، الأمر الذي يتيح فرصًا لتعطيل سلسلة الأنشطة التي تؤدي إلى ارتكاب جريمة، وبالتالي تقلل المخاطر (Miro, 2014, p. 2).
وتعدُّ نظرية الأنشطة الروتينية فرعًا من فروع نظرية الاختيار العقلاني، التي طورها كلٌّ من كوهين وفيلسون (1979)، وتستند إلى فرضية مهمة هي "أن الجريمة لا تتأثر نسبيًّا بالأسباب الاجتماعية مثل: الفقر، وعدم المساواة، والبطالة". على سبيل المثال؛ بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ اقتصاد الدول الغربية في الازدهار وتوسع تداول الرفاهية. وعلى الرغم من ذلك؛ ارتفعت الجريمة بشكل ملحوظ خلال هذا الوقت، لذلك رأى فيلسون وكوهين أن سبب ارتفاع الجرائم هو ازدهار المجتمع المعاصر الذي يوفر المزيد من الفرص لحدوث الجريمة. فاستخدام السيارات مثلًا يمكّن الجناة من التحرك بحرية أكبر لارتكاب انتهاكاتهم؛ ومن ناحية أخرى، توفر المزيد من الأهداف للسرقة، كما تسهم التغييرات الاجتماعية الأخرى مثل الالتحاق بالكلية، ومشاركة النساء في العمل، والتحضر، والتوسع في الضواحي، وأنماط الحياة في توفير الفرص، وبالتالي حدوث الجريمة (Miro, 2014, p. 3).
وتقوم النظرية على فرضية أن هناك ثلاثة عوامل تحدد الجريمة فعليًّا، وهي تعدُّ عوامل رئيسية تحدد ما إذا كان من الممكن ارتكاب الجريمة أم لا؛ مثل: وجود مجرم محتمل، وهدف مناسب، وعدم وجود رقابة جيدة؛ ومن الواضح أن المجرم المحتمل لن يسرق شخصًا في شارع يمر أمام ضباط الشرطة لأن مخاطر السجن والعقاب على الجريمة واضحة ومرتفعة للغاية، حتى أن أكثر المجرمين جرأة لن يحاولوا ارتكابها. على العكس من ذلك؛ لو كانت الشوارع مظلمة، والضحية ضعيف جسديًّا؛ مثل: شخص كبير في السن أو طفل، وغياب أي شخص قريب، فعندما يكون الجاني المحتمل والضحية وجهًا لوجه يزيد ذلك من خطر الجريمة بشكل كبير. وفي مثل هذه الحالة تكون الجريمة مهمة سهلة للجاني، كما ترتبط نظرية الأنشطة الروتينية بنظرية النوافذ المحطمة، لكن الأخيرة تركز على أسباب الجريمة؛ بينما تستكشف نظرية الأنشطة الروتينية كيفية حدوث الجريمة والأنشطة التي تسمح للجناة بارتكاب الجرائم (Miro, 2014, p. 6).
وظهرت نظرية النشاط الروتيني كمنهج نظري رئيسي في علم الجريمة في أواخر السبعينيات، لتشير إلى الأنماط المعممة للأنشطة الاجتماعية في المجتمع (أي الأنماط المكانية والزمانية في الأسرة والعمل والأنشطة الترفيهية)، وقد تم اقتراحها كتفسير اجتماعي نتيجة توافر فرص الجريمة منذ ما يقرب من 40 عامًا، حيث قدمت منظورًا يركز على أحداث الجريمة بدلًا من الميول الإجرامية، وتطورت مع مرور الوقت لتقديم حلول عملية للمشكلات الإجرامية، وتُظهر الأدبيات لنظرية النشاط الروتيني حول كيفية الإجراءات الثلاثة للتحكم في الجرائم الخاصة في التعامل مع الجاني، والحراسة المستهدفة، وإدارة المكان، والتي يمكن أن تقلل من أحداث الجريمة. وفي كثير من الأحيان، تُعدُّ الإجراءات الثلاثة لمكافحة الجريمة الخاصة بـالنشاط الروتيني إما حاضرة أو غائبة: إما أن تتعامل لمعالجة الجاني أو لا يفعلون، ويستهدف الأوصياء إما الحراس أو لا يفعلون ذلك، ووضع المديرين إما يديرون أو لا يفعلون ذلك، ويصف فيلسون أربعة مستويات للمساءلة (شخصية، مهمة، منتشرة، عامة) للمعالجين والأوصياء والمديرين، ومع ذلك لم تعالج النظرية بشكل صحيح كيف يمكن للعمليات الاجتماعية أن تؤثر على الحالة التي تختلف فيها إجراءات مكافحة الجريمة الثلاثة لأنواع مختلفة من فرص الجريمة (Miro, 2014, p. 4).
كما تستند نظرية النشاط الروتيني إلى نظرية الاختيار العقلاني، حيث تنص نظرية الاختيار العقلاني على أن الناس يختارون سلوكهم بحرية، ويتم تحفيزهم من خلال السعي وراء المتعة، كما يقوم الأفراد بتقييم اختيارهم للأفعال وفقًا لقدرة كل خيار على إنتاج ميزة ومتعة وسعادة لهم، وتفسر نظرية الاختيار العقلاني سبب اتخاذ الجناة قرارًا بارتكاب جرائم معينة، وسبب انخراطهم في الجريمة لأنها من الممكن أن تكون مجزية وسهلة ومرضية وممتعة. وتعدُّ الفرضية الأساسية لهذه النظرية هي "أن الناس كائنات عقلانية يمكن التحكم في سلوكها أو تعديلها من خلال الخوف من العقاب" (Siegal & McCormick, 2006, p. 10). وبهذه الطريقة يُعتقد أنه يمكن إقناع الجناة بالكف عن ارتكاب الجريمة من خلال تكثيف خوفهم من العقاب، ومن حيث تحديد العقوبة.
كما تعتمد نظرية الاختيار العقلاني على مبدأ أن "تستند الأفعال إلى تقييم واعٍ من قبل الجاني لفائدة ارتكابه للجريمة"، وتفترض أن الجريمة هي "اختيار شخصي نتيجة لعمليات صنع القرار الفردي"، وهذا يعني أن الأفراد مسؤولون عن اختياراتهم، وبالتالي يقع اللوم على الجناة بسبب إجرامهم، وفيما يتعلق بالإجرام يفترض الاختيار العقلاني أن الجناة يقيمون الفوائد والعواقب المحتملة المرتبطة بارتكاب جريمة، ثم يتخذون خيارًا عقلانيًّا على أساس هذا التقييم. لذلك؛ وقبل ارتكاب الجريمة يوازن المجرم منطق فرص القبض عليه، وشدة العقوبة المتوقعة، والقيمة التي يمكن اكتسابها من خلال ارتكاب الفعل، وهذا يعني أنه إذا رأى الجناة أن التكاليف مرتفعة للغاية، أو أن الفعل محفوف بالمخاطر، أو أن المردود ضئيل للغاية، فسيختارون عدم الانخراط في هذا الفعل (Siegal & McCormick, 2006, p. 12).
كما تستند نظرية الاختيار العقلاني إلى عدة مبادئ حول عملية صنع القرار والدوافع السلوكية، فالناس يقررون ارتكاب الجريمة بعد دراسة متأنية لتكاليف وفوائد التصرف بطريقة معينة، ويتضمن ذلك النظر في كل من العوامل الشخصية التي قد تشمل الحاجة إلى المال، أو الانتقام، أو الترفيه، والعوامل الظرفية؛ مثل: ضعف الهدف أو الضحية، ووجود الشهود، أو الأوصياء، أو الشرطة، كما يركز الاختيار العقلاني على فرصة ارتكاب الجريمة، وعلى كيفية هيكلة الخيارات الإجرامية من خلال البيئة الاجتماعية والمتغيرات الظرفية، وبمرور الوقت تم استخدام النظرية على نطاق واسع لدراسة الجرائم الجنسية والسرقة والجرائم الإلكترونية والسطو على المنازل والإيذاء. كما يمكن الإشارة -أيضًا- إلى أنه استخدم في دراسة الإيذاء الإجرامي في الآونة الأخيرة. وتم استخدام نظرية النشاط الروتيني بشكل متكرر في أطر متعددة المستويات مع نظرية الفوضى الاجتماعية في فهم جرائم الحي المختلفة (Siegal & McCormick, 2006, pp. 1-7).
وعلى الرغم من أنه قد قيل إن نظرية الأنشطة الروتينية قد لا تنطبق على بناء الفضاء السيبراني لأنه غالبًا ما يتم حدوث الجريمة الإلكترونية بصورة غير منظمة من الناحية الزمنية والمكانية في البيئة الافتراضية، لكن هناك دراسات أكدت أنه في وجود المكونات الأساسية لنظرية الأنشطة الروتينية تنطبق. ومازال، يتفق الجميع تقريبًا على أن هناك "مجرمين متحمسين" يسعون وراء الفرص المناسبة لارتكاب الجرائم، وهو عنصر مطلوب في فهم جميع أنواع الجرائم بما في ذلك الجرائم الإلكترونية، وعلى الرغم من أن طبيعة الفضاء السيبرانى تسمح للجناة بأن لا يكونوا قريبين جسديًّا من الضحايا المحتملين من أجل اختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. والأهم من ذلك، المعلومات والبيانات المختزنة عليها، ويمكن تحديد الخصائص المكانية في العالم الافتراضي على أنها متوافقة جزئيًّا مع المساحة المادية لبدء الاختراق وحساب "التوقيت المكاني والزماني لارتكاب الجُرم" ( Hsieh & Wang , 2018, pp. 333-353).
فعلى سبيل المثال؛ قد يستمر الجناة في الفضاء الإلكتروني في انتظار "النقر" على أيَّة أدوات مصابة من قبل المستخدمين عبر الإنترنت من أجل غزو جهاز المجني عليه، وتعد البرامج الضارة طريقة نموذجية لفتح الباب لملف نظام معلومات للمتسللين في هجوم إلكتروني بعد بدء الهندسة الاجتماعية لزيادة تعرض الضحايا المحتملين على أفضل وجه، وسوف يحاول الجناة الاحتفاظ بملفاتهم نشطة ومتداولة لأطول فترة ممكنة في أي جهاز إلكتروني آخر (مثل: مرفقات البريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي، وصفحات الويب، والإعلان عبر الإنترنت، والدردشة عبر الغرف والبوابات)، وسيؤدي الضحايا دورًا نشطًا في بدء البرامج الضارة المخفية. لذلك؛ فإن احتمالية الإيذاء تعتمد على الدرجة التي يكون فيها سلوك الضحية عبر الإنترنت قريبًا من سلوك الجاني والبرامج الضارة المبرمجة، مثل فيروسات الكمبيوتر، وبرامج القرصنة، وبرامج التجسس والشفرات الخبيثة الأخرى لخداع الضحايا المحتملين، ومواقع الويب الوهمية التي تحتوي على برامج ضارة لتغيير العناوين عبر الإنترنت باستمرار قبل اكتشافها وإغلاقها، وغالبًا تسهلها الرسائل ذات الارتباطات التشعبية لتقصير المسافة الافتراضية.
كما تجمع نظرية نمط الجريمة بين: الأنشطة الروتينية، والاختيار العقلاني، والمبادئ البيئية لتفسير هندسة الجريمة، على أساس "النمط الجغرافي" للأنشطة الروتينية، وهي ليست مستقلة عن الوقت للأفراد من خلال الأماكن، وهذا يتطلب أن يكون موقع معين مزدحمًا أو مهجورًا، حسب الوقت من اليوم والأسبوع والشهر والطقس والمناسبات الخاصة، وهناك أماكن مرتبطة بالعمل، والترفيه، والتسوق، والعبور، والمرور، ومواقف السيارات، ودرجة الحرارة، والطقس، والإضاءة، والشرطة، والضحايا، والوصاية، والنوم. على سبيل المثال؛ عقب اختطاف امرأة شابة في أونتاريو، أبلغ الشاهد الشرطة عن رؤية سيارة مشبوهة. ومع ذلك؛ فالقيادة أخذت روتين المنطقة في الحسبان وقت ارتكاب الجريمة، وراقبت اتجاه سير السيارة التي أبلغ عنها الشاهد في طريق مزدحم خلال ساعة الذروة في أحد أيام الأسبوع، الأمر الذي جعل التفكير في الجغرافيا داخل سياق الوقت مهم، لأن الشرطة تستجيب للجريمة عندما يتم الإبلاغ عنها، وبعد مرور بعض الوقت على حدوثها، حيث كانوا لايعلمون الأنشطة في المنطقة ذات الصلة بالتحقيق. وبالتالي؛ من المهم للمحققين إعادة الحضور إلى موقع الجريمة في وقت لاحق يطابق الروتين الزمني لوقت الجريمة، ومحيط المكان ونشاط المشاة وحركة مرور المركبات والإنارة، ويمكن أن تتغير بشكل ملحوظ بين النهار والليل، وأيام الأسبوع وعطلة نهاية الأسبوع، والطقس الجيد والسيئ (Rossmo & Summers , 2015, pp. 19-32).
لذلك؛ فإن مكان الجريمة ووقت وقوع الجريمة تعدُّ معلومات مهمة جدًّا، لأن الحيز الذي تقع عليه الواقعة الإجرامية من أفعال هي في القانون تعدُّ من الجرائم، وتوضح إلى حد بعيد عدد الجناة، ودور كل منهم ومعرفتهم لمكان الحادث، ومدى معرفة الجاني للمجني عليه، ومعرفة شيء من صفات الجاني وعاداته وصناعته وجنسه وطوله والآثار المحتمل وجودها به، أو بالمجني عليه وعلاقته بالجريمة. لذ؛ فإن متغيريْ المكان والوقت اللذين تحدث فيهما الجريمة لابد من معرفتهما من قبل الشرطة.
المحور الثاني- سياق نظرية الأنشطة الروتينية:
تقدم نظرية الأنشطة الروتينية تفسيرًا واضحًا لسبب حدوث الجرائم. وبالتحديد، تحاول توضيح سبب الجريمة التي تحدث في ظل بعض الظروف المحددة بدلًا من فهم الخصائص الإجرامية للجناة. وتم تطبيقها في الماضي على جرائم الاتصال المباشر وجرائم الملكية؛ وفي الوقت الحاضر فهي قابلة للتطبيق على أنواع أخرى كثيرة من السلوكيات المنحرفة، حيث تم استخدامها في تفسير التغيرات في اتجاهات وقت الجريمة، ولقد تم استخدامها بشكل تدريجي بشكل أكثر عمومية لتحديد مشكلات الجريمة وتعريفها ومنعها.
قدم منهج النشاط الروتيني من قبل عالميْ الإجرام لورانس كوهين وماركوس فيلسون في عام 1979، حيث اعتقدا أن الجريمة تحدث في وجود ثلاثة عناصر هي: أن يكون هناك هدف مناسب، وعدم وجود رقابة جيدة، ووجود مجرم محتمل؛ أي إن الجريمة تحدث عندما تتقاطع هذه العناصر الثلاثة في أي وقت، وتقترح النظرية أنه إذا كانت العناصر الثلاثة جميعها: هدف مناسب، وعدم رقابة جيدة، ومجرم جانٍ متوافرة في مكان ما، تزداد فرص الجريمة والعكس، وإذا كان أحد هذه العناصر غائبًا تقل فرص الجريمة. وخاصة أن الوصي من قبل المواطنين العاديين على أحد قد يكون في أثناء قيامهم بالأنشطة الروتينية، وهذا من أكثر الأشياء التي يتم إهمالها كعناصر في البحث الاجتماعي حول الجريمة، لأنها تربط بين الأدوار الاجتماعية والعلاقات مع حدوث أو عدم وجود أعمال غير قانونية، وأن عدد الأشخاص الذين يتصرفون كأوصياء في المسكن لجزء طويل من اليوم انخفض بسبب زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل في الحياة اليومية، وغالبًا ما تُترك المنازل بدون حراسة بينما يكون الآباء والأمهات في العمل والأطفال في المدرسة من أجل التعليم. وأيضًا، فإن التوسع في العيش في الضواحي ومعدلات اللا شيء في الأحياء التقليدية قللا من عدد الأوصياء المألوفين، مثل الجيران، أو العائلة، أو الأصدقاء. (Argun & Dağlar, 2016, pp. 2-4)
وبالتالي؛ يقصد كوهين وفيلسون بمفهوم "الأنشطة الروتينية" أنه خلال الأنشطة اليومية والعادية للحياة، يضع الأفراد أنفسهم في مواقف تزيد أو تقلل من خطر تعرضهم للإيذاء الجنائي، كما تقدم النظرية تصورًا للجوانب الظرفية للجريمة من خلال الجمع بين الزمان والمكان كسبب حتمي للفهم الجنائي لأماكن الجريمة، فتركز على الجوانب الظرفية والمكانية الأمر الذي يجعل الجريمة سمة متأصلة في الأشخاص الذين يتم التفاعل معهم في المجتمع، والأماكن التي نسافر إليها، والأنشطة التي نشارك فيها، والتأثير على احتمالية وحدوث السلوك الإجرامي، فوجود الجاني الدافع والهدف المناسب وانعدام الرقابة لا يعني أن الجريمة أمر لا مفر منه. ولكن تؤكد النظرية بأن احتمال الجريمة يزيد أو ينقص بناءً على وجود هذه العناصر الثلاثة، حيث يعتمد نطاق هذه النظرية المتعلقة بجرائم الملكية على عدة مبادئ.
أولًا: تزداد مخاطر الإيذاء عندما تزداد مستويات الرؤية وإمكانية الوصول للهدف.
ثانيًا: إذا كان هناك مستويات حماية ذاتية أو وصاية يمكن أن يقلل ذلك من مخاطر الجرائم.
ثالثًا: الأهداف الأقل جاذبية تقلل من مخاطر الإيذاء أكثر من الممتلكات ذات القيمة الذاتية أو المادية الأعلى.
إن الفكرة الرئيسية للنظرية هي أن بناء الأنشطة الروتينية في المجتمع يؤثر على المواقف، وأيضًا على التغييرات في الأنشطة الروتينية للمجتمع، حيث تؤثر التغييرات على نوع المواقف التي يواجهها الناس، كما أن الناس يتصرفون استجابةً للحالات (عندما يرتكبون جرائم)؛ لذلك تؤثر أنواع المواقف التي يواجهونها في حياتهم اليومية على تورطهم في الجريمة. ونتيجة لذلك؛ تؤثر على معدل الجريمة في المجتمع، وقد تؤدي هذه التغييرات إلى تعرض الأشخاص للمواقف التي تورطهم في الجريمة (وبالتالي إلى التغييرات في معدل الجريمة في المجتمع)، كما تربط نظرية النشاط الروتيني بين المكان والزمان للأنشطة الروتينية في المجتمع بهدف تفسير سبب حدوث جريمة (Argun & Dağlar, 2016, p. 5). كما تنص على أن الفعل الإجرامي يحدث نتيجة تلاقي الجاني الدافع، والهدف المناسب، وانعدام الوصاية (المراقبة والإشراف)، كما تهدف إلى تفسير سبب تعرض الشخص للإيذاء أو الإساءة، من خلال المواقف المؤدية إلى الجريمة، وبُذل بعض الجهود لدمج منهج النشاط الروتيني مع نظريات علم الإجرام الأخرى من حيث السياسة والوقاية، وارتبط منهج النشاط الروتيني -بشكل أساسي- بمنع الجريمة الظرفية.
المحور الثالث- المبادئ الأساسية لنظرية النشاط الروتيني:
من أهم فرضيات نظرية الاختيار العقلاني "أن الجريمة تحتاج إلى فرصة للقيام بها"، بمعنى أن الموقف الذي يجد الفاعل نفسه فيه يمكن أن يمنحه الفرصة لكي يقوم بالفعل الإجرامي. ولقد ترتب على هذه الفرضية فرضية أخرى أدت إلى ظهور نموذج النشاط الروتيني، وتذهب هذه الفرضية إلى القول "بأن التغيرات في أسلوب الحياة أو في الأنشطة الروتينية في الحياة تؤثر على طبيعة الفرص المتاحة لارتكاب الجريمة" (زايد، 2017، صفحة 190).
وتتطلب نظرية الأنشطة الروتينية وجود ثلاثة عناصر لحدوث جريمة وهي: (1) مجرم متحمس له نوايا إجرامية والقدرة على التصرف وفقًا لهذه الميول، و(2) ضحية أو هدف مناسب، و(3) غياب الشخص القادر الذي يمكنه منع وقوع الجريمة؛ ويجب أن تتلاقى هذه العناصر الثلاثة في الزمان والمكان لحدوث جريمة، وتوفر نظرية الأنشطة الروتينية منظورًا كليًّا للجريمة من حيث أنها تتوقع كيف تؤثر التغيرات في الظروف الاجتماعية والاقتصادية على معدل الجريمة والإيذاء بشكل عام، ويفترض فيلسون وكوهين أن الأنشطة الإجرامية هي "ظاهرة بنائية مهمة"، الأمر الذي يعني أن الانتهاكات ليست أحداثًا عشوائية ولا تافهة. ونتيجة لذلك؛ فإن روتين الأنشطة التي يشارك فيها الأشخاص على مدار حياتهم النهارية والليلية هو الذي يجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لأن يُنظر إليهم على أنهم أهداف مناسبة من قبل الجاني الذي يحسب ذلك عقلانيًّا. لذلك؛ فإن الجريمة تعتمد على الفرص المتاحة إذا كان هناك هدف غير محمي، وكان هناك مكافآت كافية، فإن الجاني المتحمس يرتكب الجريمة (Barr & Pease, 1990, pp. 277-319).
وبناء عليه؛ فإن نموذج النشاط الروتيني هو نظرية للضحية أكثر مما هي نظرية لمرتكب الجريمة. فاختيارات الضحايا لسلوكيات معينة، وقرارات معينة كالسكن في مكان معين، أو ممارسة الرياضة في زمن معين، أو السير في طرق معينة، أو ارتداء زي معين، إلى آخر هذه الاختيارات هي التي تمكن الأشخاص ذوي الدافعية الإجرامية من تحديد أهدافهم، أو بمعنى آخر هي التي تخلق المواقف المهيئة لارتكاب الفعل الإجرامي، ويساعد على ذلك عدم وجود ضبط كافٍ أو آليات كافية لمنع حدوث الجريمة، وهكذا تجتمع العناصر الثلاثة لحدوث الموقف الإجرامي (زايد، 2017، صفحة 190).
وفقًا لنظرية النشاط الروتيني، يتم رسم صورة الجريمة بثلاثة عناصر: هدف مناسب، وغياب رقابة جيدة، والجاني المحتمل.
هدف مناسب:
يمكن أن يكون أي شيء جذابًا ومثمرًا هدفًا للمجرمين مثل شخص ومكان، وقد يكون الهدف جذابًا للغاية عندما يكون مرئيًّا وقيمته عالية ويسهل الوصول إليه، بمعنى آخر الهدف المناسب هو الشيء الذي يوفر ربحًا فوريًّا للجناة، قد تكون هذه امرأة تمشي إلى المنزل بمفردها في الليل، أو محفظة تركت على كرسي في مطعم حيث يتركها صاحبها لاستخدام دورة المياه، في تموضع علامة من قبل العصابة فيكون الهدف سهلًا، ولن يكون من الصعب على الجاني المتحمس القيام بمنهج يختار من خلاله المجرمون في أثناء ارتكاب الجريمة، فبمجرد ارتكابها تلبي فرصة، بدلًا من الانخراط في التخطيط المكثف. لذلك؛ يمكن القول إن ملاءمة الهدف ضرورية لحدوث جريمة (Argun & Dağlar, 2016, p. 5)، كما تتأثر الأهداف المناسبة باختيار وإدراك الجاني، فكلما كان الهدف أكثر ملاءمة ويمكن الوصول إليه زاد احتمال وقوع الجريمة، كما يؤثر عدد المجرمين المحفزين أيضًا على مستويات الجريمة، ويُعتقد أن الجناة أقل عرضة لارتكاب الجرائم إذا تمكنوا من تحقيق أهداف شخصية من خلال وسائل مشروعة، وهذا يعني أنه يمكن الحد من الدوافع الجنائية إذا أدرك الجناة أن هناك بدائل للجريمة، كما أن وجود الأوصياء الأكفاء يمنع الأفراد من الإساءة، ويمكن أن تكون الوصاية حضورًا جسديًّا لشخص قادر على التصرف بطريقة وقائية أو في شكل أجهزة ميكانيكية؛ مثل: أنظمة المراقبة بالفيديو أو أنظمة الأمن(Barr & Pease, 1990, p. 277−319). حيث تساعد تدابير الأمن المادي هذه في الحد من وصول الجاني إلى الأهداف المناسبة، والجانب الأساسي لنظرية الأنشطة الروتينية هو تفاعل الدافع والفرصة والأهداف. وبهذه الطريقة؛ فإن وجود الأوصياء سوف يردع معظم المخالفين، الأمر الذي يجعل حتى الأهداف الجذابة خارج الحدود. لذلك؛ فإن وجود الفرصة مقرونة بانعدام الوصاية يزيد من الدوافع الجنائية واحتمال وقوع جريمة.
غياب الرقابة الجيدة:
العنصر الثاني هوغياب الرقابة الجيدة أو الوالي، تُعرَّف الولاية بأنها الوجود الرمزي لفرد (أو مجموعة أفراد) يتصرف (إما عن قصد أوعن غير قصد) لردع حدث إجرامي محتمل. وصي بارع، من شأن وجوده أن يثني المجرم عن ارتكاب جريمته، يمكن أن يكون شخصًا أو شيئًا؛ مثل: صديق أوشرطة أو إضاءة أو أقفال أو نظام إنذار. ومع ذلك؛ فإن وجود ولي الأمر لا يمكن أن يكون كافيًا لمنع الجاني عندما تكون الرقابة غير فعالة. على سبيل المثال؛ لا يمكن القول بأن المراهق وصي على أمه في عتمة الليل في شارع هادئ لأنه قد لا يعدُّ وصيًّا فعالًا في مثل هذه الحالة بالنسبة للكثير من المجرمين، ويمكن تعريف الوصاية على المستويين الفردي والبيئي، ويمكن الاعتماد عليها في نظرية الفرصة الجنائية الحديثة متعددة السياقات لتعريفات محددة في كل مستوى.
وفي المستوى الفردي تُعرَّف الوصاية على أنها "امتلاك صفات تتعلق بالروابط الاجتماعية والتحكم بين الأشخاص، والتحكم الشخصي يشير إلى الدرجة التي يصل إليها الأفراد، ويمكن ملاحظة الأشياء الموجودة في منطقة محددة ومنعها من التعرض لأعمال إجرامية بسبب أنهم قريبون ومعرضون للسيطرة الرسمية للأفراد، والسيطرة غير الرسمية، وأجهزة الحماية غير البشرية للوصاية على المستوى البيئي والدرجة الجماعية التي يمتلك بها الأفراد أو الأشياء في منطقة محلية محدودة الصفات ذات الصلة للروابط الاجتماعية والرقابة الاجتماعية، مع الضوابط الاجتماعية التي تشمل مرة أخرى: الرسمية، وغير الرسمية، والأمن (Argun & Dağlar, 2016, p. 4).
الجاني المحتمل:
العنصر الأخير هو الجاني المحتمل. عندما يكون الهدف المناسب غير محمي بواسطة الوصي الماهر فيكون هناك فرصة لوقوع جريمة. وبالتالي؛ المكون الأخير في هذه الصورة هو أن الجاني المحتمل يجب أن يكون حاضرًا لارتكاب جريمة. بمعنى آخر، بمجرد أن يستولي الجاني المحتمل على الهدف الصحيح دون أي أوصياء حاضرين وكذلك في أنسب زمان ومكان سيرتكب الجريمة، هنا النظرية تنص على أن: عدم وجود أي من هذه العناصر الثلاثة سيكون كافيًا لإعاقة حدوث الأعمال الإجرامية الناجحة، كما أكد كوهين وفيلسون على أن التغييرات في البناءات الاجتماعية والاقتصادات في العالم الحديث تسمح بزيادة ممكنة للفرص المتاحة للمجرمين المتحمسين لارتكاب جرائم بأشكال مختلفة (Argun & Dağlar, 2016, pp. 7-9).
ويمكـن تفسـير زيـادة ضـحايا الجريمـة الإلكترونيـة مـن خـلال التغييـرات فـي أنشـطة النـاس الروتينيـة فـي الحيـاة اليوميـة. فمـع ظهـور شـبكة الإنترنـت تغيـرت طريقـة النـاس التـي يتواصـلون بهـا أو يتفــاعلون مــع الآخــرين فــي العلاقــات الشخصــية، والترفيــه، والتجــارة...إلخ. كما أن التغيــرات فــي أنشــطة النــاس الروتينية، مثل استخدام النت وشبكات التفاعل الاجتماعي الفيس بـوك والايميـل والمواقـع وغيرهـا، أوجد فرصًا لحدوث الجريمـة، حيث تتلاقـى العوامل الثلاثـة: الجـاني المتحفز((offender Motivated، والهـدف المناسـب ،(absence of capable guardians) وغياب الرقابة(suitable targets) حيث إنه لا بد من توافر هذه العوامل الثلاثة من أجل أن تحدث الجريمة، وعدم وجود واحد من هـذه العوامـل هـو كافٍ لمنع حدوث ناجح لإكمال الاتصال المباشر لحدوث الجريمة، وأعطي فيلسون وكوهين اهتمامًا إلى التقارب في الزمان والمكان، وأن هذا التلاقي يمكن أن يـؤدي إلـى زيـادة كبيـرة فـي معدلات الجريمة من دون أي تغيير في "الحالة الظرفية" التي تحفز المجرمين، كما أن المبـدأ الأساسـي هـو أن التغييـرات البنائية فـي النشـاط الروتينـي تـؤثر علـى التقـارب فـي العناصـر الثلاثة من الناحية النظرية، وبالتالي تؤثر على معدل الجريمة، وعناصـر النظريـة الثلاثـة الرئيسـية فـي العـالم الافتراضـي للجريمـة الإلكترونيـة، حيـث إن الجـاني المتحفـز (قـد يكـون) والمسـتهدف المناسـب (اسـتهداف الهويـة أو المـال)، ولكـن الحراسـة القـادرة كبرامج الحماية والبرامج المضادة للفيروسات (البدانية، 2014، صفحة 3).
وتؤكد نظرية النشاط الروتيني على أهمية النظام الروتيني للسلوكيات المنتظمة لفهم أنماط الجريمة، فهو المنهج الأكثر شيوعًا لتفسير الاتجاهات والسلوكيات الإجمالية في المجتمع، إلا أنه يمكن أيضًا استخدامه لتحليل السلوك الفردي في التحقيق في الجريمة، بمعاملة الوقت ومكان الجريمة كدليل واستخدام ما هو معروف عن الجريمة والضحية، وقد تكون معادلة جريمة النشاط الروتيني في بعض الأحيان يتم التلاعب بها لتقديم معلومات عن الجاني، كما تدرس نظرية النشاط الروتيني الأنماط المرتبطة بهذه المتطلبات وكيف تعتمد الجريمة على الأنشطة العادية غير الإجرامية، والتغييرات البنائية في النشاط الروتيني التي يمكن أن تؤثر على أنماط معدلات الجريمة من خلال التأثير على التقارب في الفضاء ووقت العناصر الثلاثة الدنيا للانتهاك المفترس المباشر: "1) الجناة المحفزون، 2) الأهداف المناسبة، 3) غياب الأوصياء القادرون على مواجهة الانتهاك". وبناءً على ذلك؛ فإن بناء الفرصة للجريمة، ومعادلة الجريمة يمكن تلخيصها على النحو التالي:
الجريمة = (الجاني + الهدف - الوصي) (المكان + الوقت) يجب تحفيز المجرم المحتمل وقت المواجهة، والهدف يحتاج إلى أن ينظر إليه على أنه مناسب أو مرغوب فيه من الجاني كانطباع، قد يشمل الأوصياء المؤهلين الشرطة والأمن والمواطنين العاديين الذين يمارسون أنشطتهم اليومية، وإدراج لاحقًا للمتعاملين مع الجاني (الآباء والزملاء وغيرهم ممن يتحكمون في الإمكانات المجرمين) ومديري المكان (أصحاب المتاجر ومديرو المباني، وغيرهم ممن يشرفون على المواقع) (Rossmo & Summers , 2015, pp. 19-32).
واهتمت نظرية النشاط الروتيني في مثلث الجريمة بدراسة "كيمياء" الجريمة، لمعرفة من وماذا يجب أن يكون حاضرًا؟، ومن أو ما يجب أن يكون غائبًا حتى تحدث الجريمة؟، هذه الكيمياء هي جريمة خاصة. على سبيل المثال، تختلف متطلبات السرقة تمامًا عن سرقة السيارات الخاصة من حيث الإعداد والزمان والمكان الذي توجد فيه، والظروف التي من المحتمل حدوثها وإمكانية وصول الجناة إلى هذه المواقع والهروب منها تساعد في تفسير الأنماط المكانية والزمانية للجريمة، ونوع الجريمة التي تحدد العلاقة الجغرافية بين محل إقامة الجاني ومواقع جريمته بشكل متكامل مرتبطة بنظرية النشاط الروتيني في معظم الجرائم غير العشوائية؛ بل هي مكان منظم يحدث فيه تقاطع مساحة وعي الجاني مع الأهداف المناسبة المتصورة (الأهداف المرغوبة مع مستوى الخطر المرتبط بها) من حيث فضاءات توعية الجناة بدورهم التي تتشكل من خلال أنشطتهم الروتينية، ويظهر عدد قليل جدًّا من المجرمين لشق المسارات إلى مناطق أو مواقف جديدة غير معروفة في بحث الفرص الجنائية(Rossmo & Summers , 2015, pp. 19-32).
وتتطلب الجريمة هنا حضور الأطراف الثلاثة، والتفاعل بينهم عبر المكان والزمان هو الذي يحدث الجريمة. وهنا يصبح تطبيق النظرية على جرائم الكومبيوتر أمرًا مهمًّا. فهنا يوجد الأطراف الثلاثة، يوجد الشخص الذي لديه الاستعداد والدافعية، ويوجد الموقف المهيئ للفرصة، كما توجد الرقابة على الأجهزة. ويصبح الموقف التفاعلي الذي تجري فيه الأحداث الروتينية العادية موقفًا يحرص فيه الرقباء على عدم إتاحة الفرص، ويحرص فيه الراغبون في الانحراف إلى اقتناص أي فرصة للدخول إلى عملية صناعة القرار الخاص بالجريمة. ولا شك أن هذه النظرية قد فتحت آفاقًا لمزيد من فهم ديناميات جرائم الإنترنت. وفق أهم الإسهامات التي حققتها للانتباه إلى تداخل العوامل، وإلى أهمية فاعلية الرقابة والضبط في التقليل من معدلات الجرائم، والعمل على اكتشاف دافعية العاملين في المنظمات ومدى استعدادهم للدخول إلى دائرة الجريمة. وقياس درجة الهلع والرعب الذي تشكله جرائم الإنترنت في نفوس مستخدمي الشبكات، وإعداد برامج للحماية والوقاية تأخذ في حسبانها العوامل المختلفة التي تشكل مثلث الجريمة الذي تقدمه هذه النظرية (زايد، 2017، صفحة 190). كما أن الدرجة التي يكون فيها شخص ما هدفًا مناسبًا لمجرم متحمس تسمح إلى حد كبير بالإيذاء، وهذا ينطبق على الجرائم الإلكترونية، فالهدف يجعل الصورة الجسدية جذابة لمجرم متحمس. وتأثير الحراسة القادرة أمر مهم، ويعدُّ أهم عامل لتقليل الجريمة. ( LeBlanc & Frechette, 1989, p. 696 ).
باختصار؛ تسهم نظرية الأنشطة الروتينية بشكل كبير في تفسير الجرائم الإلكترونية المختلفة، حيث إنه لا يمكن ارتكاب الجريمة إلا إذا كانت محتملة، ويعتقد الجاني أن الهدف مناسب وأن الوصي القادر غائب، ويمكن لأنشطة الحياة اليومية والعادية أن تضع الناس في موقف يجعلهم بسهولة ضحية للجريمة.
حتى أواخر القرن العشرين، تركزت جهود علماء الإجرام في محاولة فهم الصفات الداخلية للمجرمين، مثل: المزاج أو الإدراك الخاطئ، لمعرفة طرقهم ومنع الجريمة، وكانت المعلومات الأكثر تجريدًا في نظرية النشاط الروتيني أكثر واقعية لمنع الجريمة الظرفية، في حين أن سوء السلوك ليس جريمة، إلا أنه يمكن من القيام بها (Pimple , 2016, pp. 1-10). كما أن الدراسات المتعلقة بمنع الجريمة وأسبابها والنظريات المرتبطة بها موضوعات أساسية في علم الإجرام، وتعدُّ نظرية الأنشطة الروتينية هي أيضًا الأساس للعديد من نظريات علم الجريمة، وعلى الرغم من أنها تحتوي على بعض أوجه القصور، فمن الشائع جدًّا أن المنظرين يمكنهم في مجال منع الجريمة الاستفادة من هذه النظرية القوية، حيث إن الدراسات الإمبريقية تفسر من خلال تطبيق نظرية الأنشطة الروتينية في الوقاية والحد من جرائم الملكية في سياق بعض حوادث السطو والسرقة الآلية، لذلك تشير هذه الدراسة إلى أن نظرية الأنشطة الروتينية قد تستخدم كأداة مفيدة من قبل ممارسي الحد من الجريمة أو منعها لتقييم مشكلات الجريمة، وكذلك اتخاذ الاحتياطات والتدابير الروتينية التي تقلل من فرص الجريمة في الحياة اليومية لأنشطة الأشخاص، وقد استخدم الباحثون طرقًا متعددة الجوانب لاختبار الفرضيات المشتقة من النظرية.
وتُستخدم نظرية الأنشطة الروتينية لتفسير سبب وكيفية تعرض الشباب لخطر متزايد بالتورط في السلوك المسيء والوقوع ضحية؛ نظرًا لأن التركيبة السكانية للفرد تؤثر على أنشطته اليومية، فهي تنبئ بخطر الإيذاء، ويتعرض الشباب غير المتزوجين من الذكور لأعلى معدل للإيذاء. وبالتالي؛ فإن أنشطتهم الليلية توفر دعمًا كبيرًا للنظرية، لأنها هي التي تأخذهم بعيدًا عن أمان المنزل من خلال الخروج ليلًا، ويصبح هؤلاء الشباب على اتصال متزايد مع المجرمين، ويشاركون في السلوكيات عالية الخطورة؛ مثل: تعاطي المخدرات والكحول، والمشاركة في الأنشطة الجانحة والمواقف بأنفسهم داخل المناطق عالية الخطورة المتكررة نتيجة لأنشطتهم الروتينية وأسلوب حياتهم، فهم أكثر عرضة للإيذاء. ومع ذلك؛ لم يجد فيلسون علاقة بين الأنشطة الليلية للإناث وخطر تعرضهن للإيذاء على الرغم من أن هذا قد يُعزى إلى كون الإناث أكثر تجنبًا للمخاطر وتجنب المواقف والمناطق الخطرة. وبالمثل، مع تقدم الناس في السن، يقل خطر تعرضهم للإيذاء، وقد يكون هذه نتيجة للتغييرات في أنشطتهم الروتينية( Felson, 1997, pp. 29-221).
كما تدعم الدراسات الإمبريقية الطبيعة الظرفية للجريمة، وكيف أن بعض "السلوكيات المحفوفة بالمخاطر" تزيد من احتمالية مواجهة مواقف عنيفة، من خلال وضع الشخص نفسه في بيئة محفوفة بالمخاطر أو حي غير منظم الأمر الذي يزيد من احتمال تورط الشباب في الإجرام، كما يؤدي الاندماج في السلوكيات المحفوفة بالمخاطر (مثل: استهلاك الكحول والمخدرات، والخروج ليلًا، ومشاركة العصابات، والارتباط مع أقران جانحين) إلى زيادة القرب والتعرض للعنف ويزيد من احتمالية أن يجد الشباب أنفسهم في مواقف يصبحون فيها جناة أو ضحايا للعنف، كما ترتبط المستويات المنخفضة من ضبط النفس، جنبًا إلى جنب مع التعرض للفرص الجنائية والمواقف الإجرامية بالانخراط في العنف.
ومن الدراسات التي اهتمت بالطبيعة الظرفية دراسة كامبل وآخرين (2002)، حيث وجد أن مفهوم الفرصة يكون تنبئيًّا لكل من جرائم العنف والممتلكات المدرسية. وبالمثل، وجدGouvis, 2002)) أن المدارس تعمل كوسط اجتماعي للعنف، مع عدم التنظيم الاجتماعي والأنشطة الروتينية التي تؤثر على معدلات الجريمة العنيفة على مستوى الكتلة، خلال فترة ما بعد المدرسة، حيث تعرضت الكتل القريبة من المدارس المصنفة حسب الحرمان من الموارد لمعدلات عنف أعلى من الكتل القريبة من المدارس التي بها موارد أكثر، كما تشير هذه النتيجة إلى أن نقص الموارد يؤدي إلى إشراف أقل على الشباب، الأمر الذي يوفّر المزيد من الفرص للمخالفين، ومع ذلك لم يجد (Hummer) دعمًا للطبيعة الظرفية للمخالف، حيث وجد أن هذه العوامل كانت ليس ذات أهمية في الحد من جرائم العنف أو الممتلكات في الحرم الجامعي(Donald, ichael ·, &Earl , 2017, pp. 233-255).
وفيما يتعلق بالوصاية، وجد (Schreck and Fisher) أن الأسر المتماسكة بإحكام هي في وضع أفضل لتوفير الحماية المباشرة للأطفال، وكذلك للحد من تعرضهم للجناة المتحمسين، كما يميل الأطفال المرتبطون بأقرانهم المنحرفين إلى تجربة التعرض المعزز للجناة المتحمسين والإشراف غير الفعال، وكان يُنظر إليهم على أنهم أهداف أكثر ملاءمة للعنف. ومع ذلك؛ لا يبدو أن تأثيرات الأقران تنتقص من تأثير المتغيرات العائلية؛ ويبدو أن كل منها يتنبأ بالإيذاء العنيف بشكل مستقل، كما كشفت النتائج أيضًا أن المتغيرات الديموجرافية تظل تنبئًا، باستثناء الأنشطة الروتينية ومتغيرات الأسرة والأقران. وبالمثل؛ أشار (Spano) إلى أن نظرية الأنشطة الروتينية تتلقى دعمًا مختلطًا بشكل عام من حيث تأثير أنماط الحياة المنحرفة كعامل خطر، والوصاية الاجتماعية كعامل وقائي، حيث تمارس هذه العوامل تأثيرًا غير ثابت اعتمادًا على العرق والجنس( Schreck & Fisher, 2004, pp. 1021-1041).
كما تشير نتائج بعض الدارسات الإمبريقية إلى أنه على الرغم من أن هناك عناصر منطقية متضمنة في قرار الانخراط في السلوك المسيء، إلا أن هناك محفزات وعوامل أخرى تؤثر على القرار بما يتجاوز تحليل تكلفة الفائدة، ويبدو أن الكثير من السلوكيات المسيئة اندفاعية دون مراعاة للعواقب. وبهذه الطريقة؛ لا يبدو أن احتمال السجن أو خطورة العقوبة يخطر في أذهان الجناة عندما يتخذون قرار الإساءة، بدلًا من التفكير في النتائج السلبية طويلة المدى، يركز الجناة في المقام الأول على الفوائد المباشرة المرتبطة بالجريمة. وهذا يشير إلى أن الجناة قد لا يكون لديهم دوافع عقلانية أوحسابية كما هو مفترض في كثير من الأحيان.
كما يشمل الردع يقين وشدة وسرعة للعقوبات القانونية. ويكون الحساب العقلاني للمجرمين يتأرجح عن ارتكاب الجرائم إذا كانت فرص السجن عالية، والعقوبة قاسية، والعدالة سريعة. لذلك؛ إذا كان المجرمون عقلانيين بالفعل، يجب أن توجد العلاقة عكسية بين العقوبة والجريمة مع زيادة العقوبات على المخالف، كما يُعتقد أن معدلات الجريمة تتأثر وتتحكم في التهديد والعقوبة الجنائية، ويُفترض عمومًا أنه إذا عوقب الجناة بشدة، فإن الجناة كونهم يحسبون الأفراد بعقلانية، سيختارون عدم الإساءة لأن الجريمة لا تستحق العقوبة. ومع ذلك؛ أجرى Doob and Webster)) مراجعة شاملة لأدبيات الردع المنشورة في الثلاثين عامًا الماضية، وتوصل إلى أن الاختلافات في شدة العقوبة لا تؤثر على مستوى الجريمة في المجتمع. لذلك؛ في حين أن الردع منطقي الحدس، إلا أنه لا يدعمه البحث الإمبريقي(Doob & Webster, 2003, pp. 143-195).
كما رأى كلٌّ من ( LeBlancوFrechette) أن الجناة لا يقومون تقريبًا بأي استعداد للجريمة، وهو أمر ينطبق بشكل خاص على المجرمين الشباب، وهذا يعني أن المخالفة ليست نتيجة عملية محسوبة أو مدروسة جيدًا؛ بينما رأى(Ladouceur and Biron) أن بعض التفكير يذهب إلى الإساءة، كما تميل الخطط إلى التركيز على الجريمة الفورية، وليس العواقب طويلة المدى لهذا الإجراء، كما اقترحDoob and Cesaroni) ) أنه يجب التمييز بين الاختيار العقلاني على المدى القصير والنظر في الآثار طويلة المدى، فالشباب لا ينظرون إلى المدى الطويل لأنهم مندفعون ويركزون على فورية المكافآت المرتبطة بالإساءة، حتى لو فكر الشباب في عواقب العدالة الجنائية، فإنهم يجدونها غير ذات صلة لأنه من غير المرجح أن يتم القبض عليهم، وفي مقابلات مع السجناء في الواقع وجد تونيل (1996) أن جميع المستجيبين ذكروا أنهم ببساطة لم يفكروا في العواقب الجنائية لأفعالهم، على الرغم من أنهم كانوا يعرفون أن أفعالهم كانت إجرامية، وبالتالي حاولوا تجنب القبض عليهم، إلا أن أكثر من نصفهم لم يكونوا على دراية بصرامة العقوبة على الجريمة، نظرًا لأن معظم الجناة لا يعتقدون أنه سيتم القبض عليهم، وبالتالي فإن زيادة العقوبة ليس لها تأثير طويل الأمد على معدل الجريمة، والمخاطرة المتصورة بالتخوف، وليس شدة العقوبة هي التي تمتلك أكبر قوة للردع، على الرغم من أن هذه القدرة محدودة أيضًا، وتم توضيح ذلك بشكل واضح من خلال تجربة مدينة كانساس، حيث وجد أن الاختلافات في تقنيات دوريات الشرطة كان لها تأثير ضئيل على أنماط الجريمة بغض النظر عن الاحتمال الفعلي للتخوف، فلا يعتقد معظم الجناة أنه سيتم القبض عليهم. هذه النتيجة مدعومة من قبل Burski. (1990الذي فشل في إيجاد علاقة بين احتمال القبض عليه أو سجنه ومعدلات الجريمة المقابلة ( LeBlanc & Frechette, 1989).
ومن المفترض في الأصل من قبل أوسكار نيومان في سبعينيات القرن الماضي أن منع الجريمة الظرفية يوفّر مساحة يمكن الدفاع عنها، الأمر الذي يشير إلى أنه يمكن منع الجريمة من خلال استخدام التصاميم المعمارية التي تقلل من الفرص، حيث يهدف منع الجريمة الظرفية إلى إقناع المجرمين المحتملين بتجنب أهداف محددة. ومن ثم؛ يُعتقد أنه سيتم تجنب الأعمال الإجرامية إذا تم حراسة الأهداف المحتملة بعناية، وإذا تم التحكم في وسائل ارتكاب الجريمة، وإذا تمت مراقبة الجناة المحتملين، وأن ذلك سيؤدي إلى تقليل فرص ارتكاب الجريمة، حيث تكمن الصعوبة في استراتيجيات منع الجريمة الظرفي بشكل عام، والدوائر التلفزيونية المغلقة والمراقبة العامة على وجه الخصوص، في أن حدوث الجرائم يحدث في أماكن غير خاضعة للمراقبة. وبدلًا من منع الجريمة، فإن استراتيجيات المراقبة المكلفة غالبًا تنقل الجريمة إلى مكان آخر، ويتجلى ذلك في حملة الشرطة عام 2003 على تعاطي المخدرات غير المشروع في فانكوفر، فبدلًا من الحد من جرائم المخدرات كان "النجاح" الوحيد الذي حققته الحملة القمعية هو تشتيت نشاط المخدرات على مساحة أكبر، كما أكد Wood أنه بما أن جهود الإنقاذ لا تعالج قضايا أعمق مثل الفقر والصحة والحد من الأضرار والرعاية والإسكان، فإنها تكون غير قادرة على تحقيق تخفيضات حقيقية في الجريمة (Siegal & McCormick, 2006).
كما أن افتراض أساس منطق ارتكاب الجريمة يبالغ في تقدير المدى الذي ينظر فيه الناس إلى العواقب القانونية لأفعالهم، وتركز هذه النظرية أيضًا على الأفراد وخياراتهم مع تجاهل القيود والظروف الاجتماعية التي تشكل ظروف الفرد وعمليات التفكير وفرص الحياة، وهذه تمارس تأثيرًا كبيرًا على الناس للانخراط في الجريمة، وهو ليس مجرد قرار عقلاني يتأثر بتفاعل عدد من العوامل والتأثيرات. لذلك؛ فإن زيادة العقوبة تفترض أيضًا أن الجناة كانوا على دراية بالعقوبة الأصلية وشعروا أنها تستحق المخاطرة، في حين أن العقوبة الجديدة الأكثر عقابًا تجعلها لم تعد تستحق المخاطرة في تحليل التكلفة والفائدة، ويفترض أن الجناة على دراية بالتغيير في شدة العقوبة وحساب اختيارهم للعمل بشكل عقلاني، نظرًا لأن الأدبيات لا تدعم هذا الافتراض، واستراتيجيات الردع المحددة والعامة لم تسفر عن النتائج التي تنبأ بها منظرو الاختيار العقلاني (Wood, 2004, pp. 1551-1556).
كما تنطوي دراسة الجرائم الإلكترونية على استخدام تكنولوجيات الاتصال الجديدة وتعتمد عليها في ارتكابها كمجال ثابت للبحث الجنائي، وظهر الكثير من الدراسات الذي تناول مجموعة واسعة من الجرائم عبر الإنترنت، بما في ذلك: قرصنة الكمبيوتر، وتوزيع البرامج الضارة، والبرامج والوسائط، والاحتيال، والمطاردة، والتسلط، وتوزيع التمثيلات الفاحشة، والكراهية، والإيذاء الجنسي لكل من البالغين والأطفال. وتعدُّ نظرية الأنشطة الروتينية إحدى النظريات الأكثر اهتمامًا بتفسير الجرائم الإلكترونية بفاعلية من خلال أنماط الإساءة والإيذاء عبر الإنترنت، كما يمكن تطبيق المفاهيم النظرية المطورة فيما يتعلق بالعالم "الواقعي" بشكل منطقي على بيئة "افتراضية" جديدة، يفترض ويركز الجزء الأكبر منها على النظريات الظرفية للجريمة، وربما ينشأ اختيار هذه النظرية كـ "حالة لتفسير النظرية الإجرامية للجرائم الإلكترونية من عدد من العوامل. أولًا، إنها نظرية راسخة ومعبأة على نطاق واسع تم استخدامها لتحليل أشكال مختلفة من السلوك الإجرامي، بما في ذلك: السطو، والقتل، وسرقة السيارات، والعنف المنزلي. ثانيًا، تسمح بالتطبيق المباشر نسبيًّا عبر مجموعة من السيناريوهات. ثالثًا، تقدم إشارات واضحة للسياسة ومنع الجريمة.
خاتمة:
إن الفضاء السيبراني يشتمل على بيئة جديدة غير مادية وغير مجسدة، وهي من نواحٍ حاسمة غير متصلة بالعالم الواقعي. وبالتالي؛ يتطلب مع ظهور هذا الواقع الافتراضي من المجتمع العلمي مراجعة افتراضاته الفلسفية والتاريخية والاجتماعية، بما في ذلك تلك المرتبطة بتحليل الجريمة، لذلك تعدُّ نظرية الأنشطة الروتينية من أهم النظريات التي تفسر هذا العالم، في محاولة لإثبات التطابق بين الجريمة الافتراضية والجريمة الواقعية من خلال إظهار قدرة النظرية على فهم الجرائم التي تحدث في البيئة الافتراضية، ومدى قدرة علم الإجرام "التقليدي" على فهم الجرائم الإلكترونية من خلال اللجوء إلى نظرية الأنشطة الروتينية والمفاهيمية والتحليلية، فالجريمة الإلكترونية تعد ظاهرة جديدة بفضل المساحة الجديدة التي تم تكوينها فيها. وهناك "تمييز زائف" بين الفضاء الافتراضي والواقع الحقيقي، وهو تمييز يشعر أنه يدعم وجهة النظر المشوهة بشكل خطير لطبيعة ومدى التهديدات السيبرانية.
تتكوّن المبادئ الأساسية لنظرية النشاط الروتيني من ثلاث آليات فريدة تؤثر على إجراءات منع الجريمة، هي: العلائقية والنسبية والمسؤولية، فتؤثر الاختلافات الكلية بينها في فرص الجريمة على العمليات الاجتماعية المرتبطة بالاستعداد لثلاثة إجراءات لمكافحة الجريمة: التعامل مع الجاني، وحراسة الهدف، وإدارة المكان، ولتفسير الاختلافات في الإجراءات الثلاثة المختلفة لمكافحة الجريمة، حيث لوحظ أن بعض العمليات الاجتماعية تقترن بقوة مع بعض أنواع إجراءات مكافحة الجريمة أكثر من غيرها، حيث تتنبأ العلائقية بشدة بمعالجة الجاني، وترتبط النسبية بشكل كبير بحراسة الهدف، والمسؤولية هي الأكثر تأثيرًا لإدارة المكان. وأن الأنشطة الروتينية للجريمة يمكن فهمها بشكل أفضل من خلال تحديد العمليات الاجتماعية لمنع الجريمة، وأنه ينبغي أن تكون متصلة، ويتم أخذها في الحسبان في سياق الاختلافات المجتمعية في البنية الاجتماعية.
المراجع
المراجع:
أولًا: المراجع العربية:
أحمد زايد. (2017). جرائم الكمبيوتر والإنترنت في المجتمع المصري: دراسة لأبعادها النفسية والاجتماعية والقانونية. (سميحة نصر، المحرر) القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، قسم بحوث الجريمة.
ذياب موسى البدانية. (2014). الجرائم الإلكترونية: المفهوم والأسباب. الجرائم المستحدثة في ظل التغيرات والتحولات الإقليمية والدولية ٤/٩/٢٠١٤. عمان – الأردن: كلية العلوم الاستراتيجية.
ثانيًا: المراجع الأجنبية:
Argun, U., & Dağlar, M. (2016). Examination of Routine Activities Theory by the property crime.
Barr, R., & Pease, K. (1990). Crime placement, displacement and defections. In M. Tonry and N. Morris . p. 277−319.
Doob, A., & Webster, C. (2003). . Sentence severity and crime: Accepting the null hypothesis. In M. Tonry (Ed.), Crime and Justice: A Review of Research. ( (Vol. 30)), p. 143−195.
Donald, C. T., ichael •, M. G., &7- Earl , B. R. (2017). Research Methods for Criminal Justice and Criminology.
Felson, R. B. (1997). Routine activities and involvement in violence as actor, witness, or target.Violence and Victims. p. 209−221.
Hsieh, M. L., & Wang , S. Y. (2018). Routine Activities in a Virtual Space A Taiwanese Case of an ATM Hacking Spree. pp. 333–352.
LeBlanc, M., & Frechette, M. (1989). Male Criminal Activity from Childhood through Youth: Multilevel and Development Perspectives.
Miro, F. (2014, January). The Encyclopedia of Theoretical Criminology.https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1002/9781118517390.wbetc19. 2/8/2021.
Pimple , K. D. (2016). Routine Activity Theory and Research Ethics A criminological approach.
Rossmo, K. D., & Summers , L. (2015). a(2015), Routine Activity Theory in Crime Investigation,t pp. pp. 19-32.
Schreck, C., & Fisher, B. S. (2004). Specifying the influence of family and peers on violent victimization: Extending routine activities and lifestyles theories. pp. 1021-1041.
Siegal, L., & McCormick, C. (2006). Criminology in Canada: Theories, Patterns, and Typologies.
Wood, E. (2004). Displacement of Canada’s largest public illicit drug market in response to a police crackdown. p. 1551−1556.