ففي هذا الكتاب مزيجًا مجدولًا من العمل النظري الموسوعي حول سوسيولوجيا المكان والبحث الواقعي للفضاءات المختلفة في الواقع، وقد سعى الكتاب إلى تفكيك مفهوم المكان ودراسته لا بوصفه فضاءً أو حيزًا ماديًّا؛ بل لكونه فضاءً علائقيا يحوي البشر، والأشياء، ويترك كل منها تأثيره على الآخر. كما يتناول المكان بوصفه إطارًا لتثبيت البشر، وضبطهم ومراقبة سلوكهم، وأيضًا بوصفه حيزًا وفضاءً للتنافس والصراع، ومأوى للذوات واحتضانها، إليه تأوي وتطمئن فيه بداية حياتها ونهايتها أيضًا. كما تصدر الكتاب قاموس لمصطلحات المكان، في خطوة تزيل ضبابية المصطلح والمصطلحات المرتبطة به، وتضخ آفاقا للمعرفة والفهم للقارئ المتخصص وغير المتخصص.
إن دراسات المكان في مصر لم تحظ إلا بقليل من اهتمام البحث السوسيولوجي. ولهذا؛ فإن تصدي د. سامية قدري لهذا الموضوع أمر شاقٌّ جدًّا، وقد نجحت باقتدار في هذه المهمة العسيرة، كما أشار لهذا أ.د/ أحمد زايد في تقديمه للكتاب مثمنًا هذا العمل العلمي، بوصفه يؤصل لدراسة المكان، ويدخلنا في عوالم من الحياة غير المألوفة في البحث السوسيولوجي التقليدي.
ولأن مؤلفة الكتاب سامية قدري الباحثة غير التقليدية؛ فإنها تصدت للكتابة بنهج غير تقليدي، وجعلت هذا الكتاب مزيجًا مجدولًا من العمل النظري الموسوعي حول سوسيولوجيا المكان والبحث الواقعي للفضاءات المختلفة في الواقع، وقد سعى الكتاب كما أشارت "قدري" إلى تفكيك مفهوم المكان ودراسته لا بوصفه فضاءً أو حيزًا ماديًّا؛ بل لكونه فضاءً علائقيًّايحوي البشر، والأشياء، ويترك كل منها تأثيره على الآخر. كما يتناول المكان بوصفه إطارًا لتثبيت البشر، وضبطهم ومراقبة سلوكهم، وأيضًا بوصفه حيزًا وفضاءً للتنافس والصراع، ومأوى للذوات واحتضانها، إليه تأوي وتطمئن فيه بداية حياتها ونهايتها أيضًا.
وقد تصدر الكتاب قاموس لمصطلحات المكان، في خطوة تزيل ضبابية المصطلح والمصطلحات المرتبطة به، وتضخآفاقًا للمعرفة والفهم للقارئ المتخصص وغير المتخصص.
وقد استهلت "قدري" فصول الكتاب بفصل عن المكان في الخطاب السوسيولوجي،حيث بدأ الفصل بعرض التطور النظري الذي أسهم في بزوغ علم اجتماع المكان وظهور سوسيولوجيا المكان كفرع تم تجاهله داخل النظرية السوسيولوجية، وتعرضت "قدري" للمكان بين العلوم الإنسانية والطبيعية، وكيف اهتم علماء الاجتماع الرواد والمعاصرين بالمكان والحيز والفضاء، وصولًا إلى الدعوة إلى وجود فرع مستقل للعلم، إلى جانب إلقاء الضوء على القراءة النسوية والأنثربولوجية للمكان في ظل التطورات المعاصرة.
وقد أفردت الكاتبة الفصل الثاني لمناقشة أفكار جورج زيمل وسوسيوجيا الحيز، الذي بدأته بمقولة زيمل الشهيرة "ما هذا الوعاء المتسع ونحن فيه كأننا نقاط ضائعة، هو فينا ونحن فيه"، ويعد زيمل الرائد الحقيقي لسوسيوجيا المكان والحيز، حيث يعدُّ أول عالم اجتماع يكشف بوضوح عن الأهمية الاجتماعية للسياق المكاني على التفاعل البشري؛ وأشارت "قدري" إلى أن زيمل يتميز باستعانته بمنهجيات مختلفة، كما أنه جمع بين التأويلات النظرية والدراسات الإمبريقية من خلال دراساته لمشكلات المدن الحديثة.
أما الفصل الثالث فكان استمرارًا للتأصيل النظري عن سوسيوجيا المكان، حيث استعرض الكتاب المكان في الخطاب الفوكوي؛ فعلى الرغم من أن أعماله وكتاباته لم تحتوِ على مصطلح المكان، كما أشارت "قدري" باستثناء مقالين عن الأماكن المغيارة "Heterotopias" والأماكن الأخرى "On the other spaces" إلا أن المتأمل لتراثه الفكري يجد أن الأماكن بشكل عام والأماكن المغلقة كالسجون والعيادات النفسية والمستشفيات والمدارس تلك التي وسمها بالمغايرة مثلت مقولات تحليلية رئيسية في مشروعه الفكري. ولذا؛ فإن المكان كان دائمًا حاضرًا عند فوكو بوصفه يعاد إنتاجه اجتماعيًّا، انطلاقًا من حقيقة أنه لا يوجد واقع اجتماعي بدون حيز.
وفي الفصل الرابع قفزت "قدري" من عالم النظرية إلى عالم المدن، فجاء الفصل بعنوان "إلى المدينة الحديثة وما بعد الحديثة" وتصدر الفصل عبارة "أن هواء المدينة قادر على تحرير الإنسان". ناقش الكتاب في هذا الفصل الكيفية التي جعلت المدينة أحد الملامح المهمة والبارزة للحداثة الغربية، وكيف تطورت المدن في مرحلة ما بعد الحداثة أو في مرحلة العولمة، والظواهر التي ميزت المدن ما بعد الحداثة أو في مرحلة العولمة، والظواهر التي ميزت المدن ما بعد الحديثة، وظهور المدينة العالمية أو الكونية، وما ينتج عنها من إعادة اعتبار للمكان.
وفي الفصل الخامس جعلت "قدري" مفهوم الفضاء المغاير لفوكو عنوانًا للانطلاق إلى دراسة الفضاءات المغايرة، وهنا قدمت نماذج للأماكن بعضها مرادفًا للواقع، وبعضها تجمع أماكن تم جمعها في مكان واحد، وأخرى تحظى بالقبول ويمارس فيها الحوار. وعرضت الكاتبة المكان الثالث كفضاء للمتعة والثرثرة، ومثال لها المقاهي كمكان يمارس فيه الفرد حريته الشخصية من خلال القيام بأفعال مميزة، كما عدَّت قدري الريف فضاءً متجددًا له خصائصه المميزة ونشاطاته وعلاقاته بل ومشكلاته؛ وفي قفزة مفاجئة تخرج "قدري" خارج حدود المكان الملموس إلى المكان الروائي أو المكان في العمل الإبداعي، وما يؤديه من وظائف في نسيج العمل الروائي بوصفه أحد الفضاءات المغايرة.
وفي إطار المراوحة بين الهدوء والصخب تنتقل الكاتبة إلى الهدوء والسكينة في مكان مغاير آخر، وهو الدير كمكان للهدوء والعزلة في إشارة لاستخدام المكان لأغراض دينية وارتباطه بالممارسات الدينية، ثم تعود بنا "قدري" إلى ضوضاء الشارع وصخب الحياة من خلال عرض الرصيف كفضاء للصراع والمقاومة، وما تمثله الأرصفة في حياتنا اليومية، وما يحدث من استملاك لها من قبل بعض الأفراد من خلال السيطرة والصراع على الحيز، واستمرارًا للديمومة والحركة تنتقل الكاتبة إلى فضاء مغاير آخر ألا وهو فضاء المولد كهيتروتوبيا، هذا الفضاء الذي يعيد ترتيب المكان الحقيقي،ويتحول إلى "نظام اجتماعي بديل" في زمان ومكان محدد.وفي مزيج آخر ما بين الحياة والموت قدمت "قدري" المقابر كأحد الفضاءات المغايرة، ولكنه فضاء بديل، حيث إنه بديل للسكن تمتزج فيها الحياة مع الموت كما أشارت. كما قدمت نموذجًا معاكسًا للفضاء السكني في المساكن المسيجة كفضاء للعزل الاجتماعي التي عدَّها بعض الباحثين قلاعًا محمية للأثرياء.
أما الفصل السادس؛ فكان مختلفًا حيث اهتمت "قدري" بالموسيقى الشعبية والمكان، وسعت من خلاله إلى فهم الأهمية الثقافية للموسيقى الشعبية في علاقتها بالمكان والهوية والمجتمع، وتطور علاقة الموسيقى بالمكان.
وجاء الفصل السابع لتستكشف به "قدري" الحياة في المكان. لذا؛ فقد عنونت هذا الفصل "الحياة اليومية للشباب في المدن الجديدة: دراسة سوسيولوجية"،والفصل دراسة إمبريقية قامت خلالها سامية قدري بدراسة الحياة اليومية للشباب في مدينة السادس من أكتوبر، وقدمت الحياة اليومية للشباب كدراما اجتماعية "Social Drama" من خلال تقديم مسيرة الحياة اليومية خلال يوم واحد في حياة هؤلاء الشباب.
وفي الختام؛ عندما تنتهي من قراءة هذا الكتاب، تصبح على درجة عالية من الوعي بسيوسيولوجيا المكان وبعلاقاتك الذاتية بالمكان وبمحيطك،حيث تنقلنا سامية قدري بين الأطر النظرية المختلفة، والعوالم والفضاءات المتنوعة في خطوات رشيقة، تجعلك ملمًّا بحصيلة معرفية كبيرة حول سوسيولوجيا المكان، لن تنتهي أبدًا من قراءة هذا العمل كما بدأت. ولهذا؛ أنصح المهتمين بعلم الاجتماع وخاصة دارسي المكان بالاطلاع على هذا العمل الموسوعي الجاد الذي يسهم في سد جزء من الفجوة المعرفية العربية في مجال علم اجتماع المكان، هذا العلم القديم الحديث.